وليس مختاراً فيه، ونلحظ هنا الارتقاء من الأَدْنى إلى الأعلى: أولاً: سخّر الجبال وهي جماد، ثم الطير وهي أرْقَى من الجماد، لكن إنْ تصوَّرْنا التسبيح من الطير؛ لأنه حَيٌّ، وله روح، وله حركة وصوت مُعبّر، فكيف يكون التسبيح من الجبال الصماء؟
بعض العلماء حينما يستقبلون هذه الآية يأخذونها بظواهر التفسير، لا بُعمْق ونظر في لُبِّ الأشياء، فالجبال يروْنها جامدة، ليس لها صوت مُعبّر كما للطير؛ لذلك يعجبون من القول بأن الجبال تُسبِّح، فكيف لها ذلك وهي جمادات؟
لكن؛ ما العجب في ذلك، وأنت لو قُمْتَ بمَسْح شامل لأجناس الناس الأرض، واختلاف لغاتهم وألسنتهم وأشكالهم وألوانهم بحسْب البيئات التي يعيشون فيها، فالناس مختلفون في مثل هذه الأمور متفقون فقط في الغرائز، فالجوع والعطش والخوف والضحك والعواطف كلها غرائز مشتركة بين جميع الأجناس، وهذه الغرائز المشتركة ليس فيها اختيار.
ألم تَرَ إلى قوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى}[النجم: ٤٣] فما دام أنه سبحانه الذي يُضحِك، والذي يُبكِي، فلن نختلف في هذه الأمور.
فالكلام - إذن - من الأشياء التي يختلف فيها الناس، وهذا الاختلاف ليس في صوت الحروف، فالحروف هي هي، فمثلاً حين ننطق (شرشل) ينطقها أهل اللغات الأخرى كذلك: شين وراء وشين ولام، فنحن - إذن - متحدون في الحروف، لكن نختلف في معاني الأشياء.