للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخرى للثواب وللعقاب ما أنزل الله بها من سلطان، فانقلبتْ الموازين، حيث تبجح الكسالى، وأُحْبِط المجدُّون المحسنون. {حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً} [الكهف: ٩٠] .

هذا كُلُّ ما أخُبر الله به، ويبدو أنه وصل في تجواله العام إلى بلاد تظل الشمس بها مشرقة ثلاثة أو ستةَ أشهر لا تغرب؛ لذلك لم يجد لهم من دون الشمس ستْراً يسترها أيْ ظلمة {حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} [الكهف: ٩٣] .

ومع ذلك احتال أن يفهم منهم، ويخاطبهم؛ لحرصه على نفعهم وما يصلحهم، وهذه صفة الحاكم المؤمن حين يُمكَّن في الأرض، وتُعطَى له أسباب القيادة، ويُفوَّض في خَلْق الله، ولو لم يكُنْ حريصاً على نفعهم لوجد العذر في كونه لا يفهم منهم ولا يفهمون منه.

فلما توصلوا إلى لغة مشتركة، ربما هي لغة الإشارة التي نتفاهم بها مع الأخرس مثلاً: {قَالُواْ ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف: ٩٤] .

ثم أمرهم أن يأتوا بقطَع الحديد، فأشعل فيها النار حتى احمرَّت فقال {آتوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} [الكهف: ٩٦] وهكذا صنع لهم السدَّ الذي يحميهم من هؤلاء القوم، فلم يَقصُر نفعه لهم على هذه القضية ذاتها، إنما نفعهم نَفْعاً يعطيهم الخير والقوة في ألاَّ يتعرضوا لمثلها

<<  <  ج: ص:  >  >>