أتجعل إيتاء الملْكُ وهو نعمة وسيلة إلى التمرد على من أنعم عليك بهذا؟ أتجعل شكر النعمة بأنك تخالف المنعم؟ من الذي أبطره؟ أأبطره أن آتاه الله الملك؟ وكيف يعين الله واحداً ليس مؤمنا به؟ والمُلْكُ بمعنى الأمر والنهي إنما يكون للمبلغ عن الله، إنما الملك الآخر مُلْكُ السلطان بأن يُحَكِّمَ إنسانا على جماعة، فمن الجائز أن يكون مؤمنا، وأن يكون كافراً.
وقوله {أَنْ آتَاهُ الله الملك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} هو جواب على من قال: «من ربك» فجاءته إجابة إبراهيم عليه السلام {رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} وعرفنا ما في هذا الأمر من سفسطة، فلم يقل له إبراهيم: أأنت تُحيي وتميت، بل ينقله إلى أمر آخر، كأنه قد قال له: اترك الأمر الغيبي وهو الروح، وتعالى للأمر المشهود {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} .
ولأن الله ولي الذي آمنوا فهو سبحانه لم يلهم المحاج أن يَرُدّ؛ كان يستطيع أن يقول له: اجعل من يأتي بها من المشرق يأتِ بها من المغرب، لكنه لم يقلها {مما يدل على أنه غبي} أو يكون ذكيا فيقول: إن الرب الذي معه بهذا الشكل قد يفعلها، فخاف. إذن ف {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} حقا. وهو سبحانه {يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} . وما معنى كلمة «بُهِتَ» ؟ إن البهت يأخذ ثلاث صور: الصورة الأولى: الدهشة؛ نَقَله فيما يمكن أن تحدث فيه مماحكة إلى مالا تحدث فيه مماحكة وجدال، أراد أن يجد أمراً يرد به فلم يقدر، مثلما قال: أنا أحيي وأميت، لقد هش، وأول ما فاجأه هو الدهش، ثم كان التحيّر، أراد أن يجد أي مخرج من هذه الورطة فلم يجد، إذن فقد هُزم. فهذه هي نهاية البَهت. ف «بُهت» تعني أنه دهش أولا، فتحير في أن يرد ثانيا، فكان نتيجة ذلك أنه هُزم ثالثا، وهذا أمر ليس بعجيب؛ لأنه مادام كافراً فليس له ولي، أو وليه من لا يقدر {أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} ، أما إبراهيم خليل الرحمن فوليه الله.
ويختم الحق الآية بقوله:{والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} لا يهديهم إلى برهان،