تأكل خمسة أرغفة هذه مبالغة في الوجبة الواحدة، فأنت تأكل ثلاث وجبات، لكن تبالغ في الوجبة الواحدة، وقد تكون المبالغة في عدد الوجبات فتأكل في الوجبة رغيفاً واحداً، لكن تأكل خمس وجبات بدلاً من ثلاث. فهذه مبالغة بتكرار الحدث.
وصيغة المبالغة لها معنى في الإثبات ولها معنى في النفي: إذا قُلْتَ: فلان أكول وأثبتَّ له المبالغة فقد أثبتَّ له أصل الفعل من باب أَوْلَى فهو آكل، وإذا نفيتَ المبالغة فنَفْي المبالغة لا ينفي الأصل، تقول: فلان ليس أكولاً، فهذا لا ينفي أنه آكل. فإذا طبَّقنا هذه القاعدة على قوله تعالى:{وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ}[الحج: ١٠] فهذا يعني أنه سبحانه وتعالى (ظالم) حاشا لله، وهنا نقول: هناك آيات أخرى تنفي الفعل، كما في قوله تعالى:{وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف: ٤٩] وقوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين}[الزخرف: ٧٦] .
كما أن صيغة المبالغة هنا جاءت مضافة للعبيد، فعلى فرض المبالغة تكون مبالغة في تكرار الحدث {بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ}[الحج: ١٠] ظلم هذا، وظلم هذا، فالمظلوم عبيد، وليس عبداً واحداً.
والظلم في حقيقته أن يأخذ القويُّ حَقَّ الضعيف، ويكون الظلم على قَدْر قوة الظالم وقدرته، وعلى هذا إنْ جاء الظلم من الله تعالى وعلى قَدْر قوته وقدرته فلا شكَّ أنه سيكون ظُلْماً شديداً لا يتحمله أحد، فلا نقول - إذن - ظالم بل ظلام، وهكذا يتمشى المعنى مع صيغة المبالغة.
فالحق سبحانه ليس بظلام للعبيد؛ لأنه بيَّن الحلال والحرام، وبيَّن الجريمة ووضع لها العقوبة، وقد بلَّغَتْ الرسل من بداية الأمر فلا حُجَّةَ لأحد.