للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عملية مُعقَّدة تتضافر فيها الإرادة والعقل والأعصاب والأعضاء، وأنت نفسك لا تشعر بشيء من هذا كله، وهل في قيامك أمرتَ الجوارح أنْ تتحرَّك فتحركتْ؟

فإذا كانت جوارحك تنفعل لك وتطاوعك لمجرد الإرادة، أفلا يكون أوْلى من هذا أنْ ينفعل خَلْق الله لإرادة الله؟

إذن: العمدة في الأفعال ليستْ الجوارح وإنما الإرادة، بدليل أن الله تعالى إذا أراد أنْ يُعطِّل جارحة من الجوارح عطّل الإرادة الآمرة، وقطعها عن الجارحة، فإذا هي مشلولة لا حركةَ فيها، فإنْ أراد الإنسان تحريكها بعد ذلك فلن يستطيع، لماذا؟

لأنه لا يعلم الأبعاض التي تُحرِّك هذه الجارحة، ولو سألتَ أعلم الناس في علم الحركة والذين صنعوا الإنسان الآلي: ما الحركة الآلية التي تتم في جسم الإنسان كي يقوم من نومه أو من جِلْسته؟ ولن يستطيع أحد أنْ يصفَ لك ما يتم بداخل الجسم في هذه المسألة.

أما لو نظرتَ مثلاً إلى الحفَّار، وهو يُؤدِّي حركات أشبه بحركات الجسم البشري لوجدتَ صبياً يشغله باستخدام بعض الأزرار، ويستطيع أنْ يصِفَ لك كل حركة فيه، وما الآلات التي تشترك في كل حركة. فَقُلْ لي بالله: ما الزر الذي تضغط عليه لتحرك يدك أو ذراعك؟ ما الزر الذي تُحرِّك به عينيك، أو لسانك، أو قدمك؟ إنها مجرد إرادة منك فينفعل لك ما تريد؛ لأن الله تعالى خلقك، وجعل لإرادتك السيطرة الكاملة على جوارحك، فلا تستبعد أنْ تنفعل المخلوقات لله - عَزَّ وَجَلَّ - إنْ أراد منها أنْ تفعلَ.

حتى العذاب في الآخرة ليس لهذه الجوارح والأبعاض، إنما العذاب للنفس الواعية، بدليل أن الإنسان إذا تعرَّض لألم شديد

<<  <  ج: ص:  >  >>