وهذا معنى قوله تعالى:{فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ. .}[إبراهيم: ٣٧] ومعنى تهوي: تأتي دون اختيار من الْهُويِّ أي: السقوط، وهو أمر لا يملكه الإنسان، كالذي يسقط من مكان عالٍ، فليس له اختيار في ألاَّ يسقط.
وهكذا تحِنُّ القلوب إلى بيت الله، وتتحرَّق شَوْقاً إليه، وكأن شيئاً يجذبها لأداء هذه الفريضة؛ لأن الله تعالى أمر بهذه الفريضة، وحكم فيها بقوله {يَأْتُوكَ. .}[الحج: ٢٧] أما في الأمور الأخرى فقد أمر بها وتركها لاختيار المكلف، يطيع أو يعصي، إذن: هذه المسألة قضية صادقة بنصِّ القرآن.
وبعض أهل الفَهْم يقولون: إن الأمر في: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج. .}[الحج: ٢٧] ليس لإبراهيم، وإنما لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي نزل عليه القرآن، وخاطبه بهذه الآية، فالمعنى {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت. .}[الحج: ٢٦] يعني: اذكر يا مَنْ أُنْزل عليه كتابي إذْ بوأنا لإبراهيم مكان البيت، اذكر هذه القضية {وَأَذِّن فِي الناس بالحج. .}[الحج: ٢٧] فكأن الأمر هنا لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
لذلك لا نشاهد هذا النسك في الأمم الأخرى كاليهود والنصارى، فهم لا يحجون ولا يذهبون إلى بيت الله أبداً، وقد ثبت أن موسى - عليه السلام - حج بيت الله، لكن لم يثبت أن عيسى عليه السلام