لذلك لما ذهب عبد المطلب جَدُّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليُكلِّم أبرهة في الإبل المائة التي أخذها من إبله، قال أبرهة: لقد كنتُ أهابك حين رأيتُك، لكنك سقطت من نظري لما كلَّمتني في مائة بعير أصبْتها لك، وتركتَ البيت الذي فيه مجدُكم وعزكم.
فماذا قال عبد المطلب؟ قال: أما الإبل فإنها لي، أما البيت فله رَبٌّ يحميه.
البعض يتهم عبد المطلب لمقالته هذه بالسلبية، وليست هذه سلبية من كبير قريش، إنما ثقةً منه في حماية الله لبيته؛ لذلك رَدَّه إلى أقوى منه، وكأنه قال: إنْ كنتُ أحميه أنا، فسأحميه بقوتي وقدرتي وحيلتي، لكنني أريد أنْ أرعبه بقدرة الله وقوته، وما سلَّمتُ البيت إلاَّ وأنا واثق أن ربَّ البيت سيحميه، وهذه تُزلزل العدو وتُربكه.
وما أشبه موقف عبد المطلب بموقف موسى عليه السلام، لما قال له قومه:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء: ٦١] فقال في يقين وثقة: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: ٦٢] .
إذن: لم يكُنْ عبد المطلب سلبياً كما يتهمه البعض، بل كان إيجابياً من النوع الراقي، فلو كان إيجابياً بالمعنى الذي تريدون لأعطتْه هذه الإيجابية منعةً بقوته هو، إنما تصرُّفه وما تعتبرونه سلبية أعطاه منعةً بقدرة الله وقُوَّته سبحانه؛ لذلك تدخَّلتْ فوراً جنود السماء.