وقد حدث هذا في بَدْء الدعوة، فأيَّد الله نبيه بجنود من عنده، بل أيَّده حتى بالكافر المعاند: ألم يكُن دليل رسول الله في الهجرة كافراً؟ ألم ينصره الله بالحمام وبالعنكبوت وهو في الغار؟ ألم ينصره بالأرض التي ساخَتْ تحت أقدام فرس «سُرَاقة» الذي خرج في طلبه؟
هذه جنود لم نَرها، ولم يُؤيَّد بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلا بعد أن استنفد أسبابه، ولو أراد سبحانه لَطوَّع لرسوله هؤلاء المعاندين، فما رفع أحد منهم رأسه بعناد لمحمد، إنما الحق - تبارك وتعالى - يريد أنْ يعطيه طواعية ويخضع له القوم، ألم يقُلْ سبحانه وتعالى:{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}[الشعراء: ٤] .
وقلنا: إن الله تعالى يريد أنْ يُخضِع قلوب عباده لا قوالبهم، فلو أخضعهم الله بآية كونية طبيعية كالريح أو الصاعقة أو الخَسْف، أو غيره من الآيات التي أخذتْ أمثالهم من السابقين لقالوا: إنها آفاتٌ طبيعية جاءتنا، لكن جعل الله بين الفريقين هذه المواجهة، ثم يسَّر لحزبه وجنوده أسباب النصر.