ثم يقول سبحانه:{أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا. .}[الحج: ٤٦] كيف ولهؤلاء القوم آذان تسمع؟ نعم، لهم آذان تسمع، لكن سماع لا فائدة منه، فكأن الحاسَّة غير موجودة، وإلا ما فائدة شيء سمعتَه لكن لم تستفد به ولم تُوظِّفه في حركة حياتك، إنه سماع كعدمه، بل إن عدمه أفضل منه؛ لأن سماعك يقيم عليك الحجة.
{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور}[الحج: ٤٦] فعمي الأبصار شيء هيِّن، إذا ما قِيسَ بعمى القلوب؛ لأن الإنسان إذا فقد رؤية البصر يمكنه أنْ يسمع، وأنْ يُعمل عقله، وأنْ يهتدي، ومَا لا يراه يمكن أنْ يخبره به غيره، ويَصِفه له وَصْفا دقيقاً وكأنه يراه، لكن ما العمل إذا عَميَتْ القلوب، والأنظار مبصرة؟
وإذا كان لعمى الأبصار بديل وعِوَض، فما البديل إذا عَمي القلب؟ الأعمى يحاول أنْ يتحسَّس طريقه، فإنْ عجز قال لك: خُذْ بيدي، أما أعمى القلب فماذا يفعل؟
لذلك، نقول لمن يغفل عن الشيء الواضح والمبدأ المستقر: أعمى قَلْب. يعني: طُمِس على قلبه فلا يعي شيئاً.
وقوله:{القلوب التي فِي الصدور}[الحج: ٤٦] معلوم أن القلوب في الصدور، فلماذا جاء التعبيرهكذا؟ قالوا: ليؤكد لك على أن المراد القلب الحقيقي، حتى لا تظن أنه القلب التفكيريّ التعقليّ، كما جاء في قوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم. .}[آل عمران: ١٦٧]