للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لتبذرها في الأرض أيقال: إنك أنقصت مخزنك بمقدار كيلة القمح؟ لا؛ لأنك ستزرع بها، وأنت تنتظركم ستأتي من حبوب، وهذه أرض صماء مخلوقة لله، فإذا كان المخلوق لله قد استطاع أن يعطيك بالحبة سبعمائة، ألا يعطيك الذي خلق هذه الأرض أضعاف ذلك؟

إنه كثير العطاء. والحق قد نسب للمنفقين الأموال التي رزقهم الله بها فقال: {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} وكلمة {فِي سَبِيلِ الله} كلمة عامة، يصح أن يكون معناها الجهاد، أو مصارف الصدقات؛ لأن كل هذا في سبيل الله؛ لأن الضعيف حين يجد نفسه في مجتمع متكافل، ويجد صاحب القوة قد عدّى من أثر قوته وحركته إليه، أيحقد على ذي القوة؟ لا؛ لأن خيره يأتيه، نضرب المثل في الريف نقول:

البهيمة التي تدر لبناً ساعة تسير في الحارة. فالكل كان يدعو الله لها ويقول: «يحميكي» لماذا؟ لأن صاحبها يعطي كل من حوله من لبنها ومن جبنتها ومن سمنها، لذلك يدعو لها الجميع، ولا يربطها صاحبها، ولا يعلفها، ولا ينشغل عليها، والخير القادم منها يذهب إلى كل الأهل، وحين نجد مجتمعاً بهذا الشكل ويجد العاجز من القوي معيناً له، هنا يقول العاجز: إنني في عالم متكامل.

وإذا ما وُجد في إنسان قوة وفي آخر ضعف؛ فالضعيف لا يحقد وإنما يقول: إن خير غيري يصلني. وكذلك يطمئن الواهب أنه إن عجز في يوم ما سيجد من يكفله والقدرة أغيار ما دام الإنسان من الأغيار. فقد يكون قويا اليوم ضعيفاً غداً.

إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} هو قانون يريد به الله أن يحارب الشح في نفس المخلوقين، إنه يقول لكل منا: انظر النظرة الواعية؛ فالأرض لا تنقص من مخزنك حين تعطيها كيلة من القمح! صحيح أنك أنقصت كيلة من مخزنك لتزرعها، ولكنك تتوقع أن تأخذ من الأرض أضعافها. وإياك أن تظن أن ما تعطيه الأرض يكون لك فيه ثقة، وما يعطيه الله لا ثقة لك فيه. {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>