فهذا الفهم في تفسير الآية لا يستقيم، ولا يمكن للشيطان أنْ يُدخِل في القرآن ما ليس منه، لكن يحتمل تدخُّل الشيطان على وجه آخر: فحين يقرأ رسول الله القرآن، وفيه هداية للناس، وفيه مواعظ وأحكام ومعجزات، أتنتظر من عدو الله أنْ يُخلِي الجو للناس حتى يسمعوا هذا الكلام دون أنْ يُشوِّش عليهم، ويُبلبل أفكارهم، ويَحُول بينهم وبين سماعه؟
فإذا تمنّى الرسول يعني: قرأ ألقى الشيطان في أُمنيته، وسلَّط أتباعه من البشر يقولون في القرآن: سِحْر وشِعْر وإفْك وأساطير الأولين: فدَوْر الشيطان - إذن - لا أنْ يُدخِلَ في كلام الله ما ليس منه، فهذا أمر لا يقدر عليه ولا يُمكِّنه الله من كتابه أبداً، إنما يمكن أنْ يُلقِي في طريق القرآن وفَهْمه والتأثر به العقبات والعراقيل التي تصدُّ الناس عن فَهْمه والتأثر به، وتُفسِد القرآن في نظر مَنْ يريد أن يؤمن به.
لكن، هل محاولة تشويه القرآن هذه وصَدّ الناس عنه جاءت بنتيجة، وصرفتْ الناس فعلاَ عن كتاب الله؟
لقد خيَّبَ الله سَعيْه، ولم تقف محاولاته عقبة في سبيل الإيمان بالقرآن والتأثر به؛ لأن القرآن وجد قلوباً وآذاناً استمعتْ وتأملتْ فآمنت وانهارتْ لجلاله وعظمته وخضعتْ لأسلوبه وبلاغته، فآمنوا به واحداً بعد الآخر.
ثم يقول تعالى:{فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحج: ٥٢] يعني: ألغى وأبطل ما ألقاه الشيطان من الأباطيل والعقبات التي أراد بها أنْ يصدَّ الناس عن القرآن، وأحكمَ الله آياته، وأوضح أنها منه سبحانه، وأنه كلام الله المعْجز