عبارة عن أنبوبة مجوفة. وحين تضع هذه الأنبوبة الضيقة في الماء، فإن الماء يرتفع فيها إلى مستوى أعلى؛ لأن ضغط الهواء داخل هذه الأنبوبة لضيقها أقلّ من الضغط خارجها لذا يرتفع فيها الماء، أما إنْ كانت هذه الأنبوبة واسعة فإن الضغط بداخلها سيساوي الضغط خارجها، ولن يرتفع فيها الماء.
فقُلْنا لهم: لو أحضرنا حوضاً به سوائل مختلفة، مُذَاب بعضها في بعض، ثم وضعنا به الأنابيب الشَّعْرية، هل سنجد في كل أنبوبة سائلاً معيناً دون غيره من السوائل، أم سنجد بها السائل المخلوط بكل عناصره؟
لو قمتَ بهذه التجربة فستجد السائل يرتفع نعم في الأنابيب بهذه الخاصية، لكنها لا تُميِّز بين عنصر وآخر، فالسائل واحد في كل الأنابيب، وما أبعد هذا عن نمو النبات وتغذيته.
وصدق الله حين قال: {الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: ٢ - ٣] .
إذن: ما أبعدَ هذه التفسيرات عن الواقع {وما أجهلَ القائلين بها والمروِّجين لها} خاصة في عصر ارتقى فيه العلم، وتقدّم البحث، وتنوَّعت وسائلة في عصر استنارتْ فيه العقول، واكتُشِفت أسرار الكون الدالة على قدرة خالقه عَزَّ وَجَلَّ، ومع ذلك لا يزال هناك مبطلون.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً. .} [الحج: ٥٥] .
فهم - إذن - موجودون في أمة محمد إلى أنْ تقومَ الساعة، وسنواجههم نحن كما واجههم رسول الله، وسيظل الشيطان يُلقِي في نفوس هؤلاء، ويوسوس لهم، ويوحي إلى أوليائه من الإنس والجن، ويضع العقبات والعراقيل ليصدَّ الناس عن دين الله. هذا نموذج من إلقاء الشيطان في مسألة القمة، وهي الإيمان بالله.
كما يُلقِي الشيطان في مسألة الرسول، فنجد منهم مَنْ يهاجم شخصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وكيف وهو الأميّ يقود أمة ويتهمونه ويخوضون في حقِّه، وفي مسألة تعدُّد زوجاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . الخ مِمّا يُمثِّل عقبة في سبيل الإيمان به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
ونعجب لهجوم هؤلاء على رسول الله طالما هم كافرون به، إن هذا الهجوم يحمل في طياته إيماناً بأنه رسول الله، وإلا لَمَا استكثروا عليه ولَمَا انتقدوه، فلو كان شخصاً عادياً ما تعرَّض لهذه الانتقادات.
لذلك لا تناقش مثل هؤلاء في مسألة الرسول، إنما في مسألة القمة، ووجود الإله، ثم الرسول المبلِّغ عن هذا الإله، أمّا أنْ تخوض معهم في قضية الرسول بدايةً فلن تصلَ معهم إلى حَلٍّ؛ لأنهم يضعون مقاييس الكمال من عندهم، ثم يقيسون عليها سلوكيات رسول الله، وهذا وَضْع مقلوب، فالكمال نأخذه من الرسول ومن فِعْله، لا نضع له نحن مقاييس الكمال.
ثم يُشكِّكون بعد ذلك في الأحكام، فيعترضون مثلاً على الطلاق في الإسلام، وكيف نفرق بين زوجين؟ وهذا أمر عجيب منهم فكيف نجبر زوجين كارهين على معاشرة لا يَبْغُونها، وكأنهما مقترنان في سلسلة من حديد؟ كيف وأنت لا تستطيع أنْ تربط صديقاً بصديق لا يريده، وهو لا يراه إلا مرة واحدة في اليوم مثلاً؟ فهل تستطيع أن تربط زوجين في مكان واحد، وهما مأمونان على بعض في حال الكراهية؟