دنيا الأغيار، وتقلّب الأحوال حال بعد حال، فالدنيا تتقلَّب من فقر إلى غنى، ومن صحة إلى مرض، ومن صِغَر إلى كِبَر، ومن أَمْن إلى خوف، وتتحول من صيف إلى شتاء، ومن حر إلى برد، ومن ليل إلى نهار. . وهكذا.
أما في الآخرة فقد انتقلتم مِن عالم الأغيار الذي يعيش بالأسباب إلى عالم آخر يعيش مع المسبِّب سبحانه، وإلى يوم آخر لا يومَ بعده، كأنه عَقِم أن يكون له عَقِب من بعده أو مثيل له، كما لو حضرتَ حفلاً مثلاً قد استكمل ألوان الكمال والنعم، فتقول: هذا حدث لا يتكرر يعني: عقيم لا يأتي بعده مثله.
وإذا كنتَ في الدنيا تعيش بالأسباب التي خلقها الله لك، فأنت في الآخرة ستجلس مستريحاً تتمتع بالمسبِّب عَزَّ وجَلَّ، ويكفي أن يخطر الشيء ببالك، فتراه بين يديك؛ ولأن القيامة لا أغيارَ فيها ولا تقلّب، فسيظل الجميع كلٌّ على حاله في سِنٍّ واحدة، لا يشيب ولا يهرم، ولا يمرض ولا يموت.
ألاَ ترى إلى قوله تعالى في نساء الجنة:{إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ اليمين}[الواقعة: ٣٥ - ٣٨] .
والكاره لزوجته في الدنيا لأنها كانت تتعبه نقول له: لا تقِسْ زوجة الدنيا بزوجة الآخرة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ}[النساء: ٥٧] .
أي: مطهرة من كل ما كنتَ تكرهه فيها في الدنيا شكلاً وطَبْعاً وخُلقاً، فأنت الآن في الآخرة التي لا يعكر نعيمها كَدَر.