إن «ثم» تأتي في هذا المعنى لوجود مسافة زمنية تراخى فيها الإنسان عن فعل المن. فالحق يمنع المن منعاً متصلاً متراخياً، لا ساعة العطاء فحسب، ولكن بعد العطاء أيضاً. وشوقي أمير الشعراء رَحِمَهُ اللَّهُ عندما كتب الشعر في حمل الأثقال وضع أبياتاً من الشعر في مجال حمل الأثقال النفسية، فقال:
أحملت دَيْناً في حياتك مرة؟ ... أحملت يوما في الضلوع غليلا؟
وبعد أن عدد شوقي أوجه الأحمال الثقيلة في الحياة قال:
تلك الحياة وهذه أثقالها ... وُزِنَ الحديدُ بها فعاد ضئيلا
كأن المن إذن عبء نفسي كبير. ويطمئن الحق سبحانه من ينفقون أموالهم دون مَنٍّ ولا أذى في سبيل الله بأن لهم أجراً عند ربهم. وكلمة «الأجر» والإيضاح من عند الرب هي طمأنة إلى أن الأمر قد أحيل إلى موثوق بأدائه، وإلى قادر على هذا الأداء. أما الذي يمن أو يؤذي فقد أخذ أجره بالمن أو الأذى، وليس له أجر عند الله؛ لأن الذي يمن أو يؤذي لم يتصور رَبَّ الضعيف، وإنما تصور الضعيف.
والمنفق في سبيل الله حين يتصور رب الضعيف، وأن رب الضعيف هو الذي استدعاه إلى الوجود، وهو الذي أجرى عليه الضعف، فهو يؤمن أن الله هو الكفيل برزق الضعيف، وحين ينفق القوي على الضعيف فإنما يؤدي عن الله، ولذلك نجد في أقوال المقربين:
«إننا نضع الصدقة في يد الله قبل أن نضعها في يد الضعيف» ولننظر إلى ما فعلته سيدتنا فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. لقد راحت تجلو الدرهم وتطيبه، فلما قيل لها: ماذا تصنعين؟ قالت: أجلو درهماً وأطيبه لأني نويت أن