ويتفرع عن هذه المسألة مسألة ردِّ العقوبة إذا اعتُدِي عليك:{وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله. .}[الحج: ٦٠] .
الحق - سبحانه وتعالى - هو خالق النفس البشرية، وهو أعلم بنوازعها وخَلَجاتها؛ لذلك أباح لك إن اعتدى عليك أنْ تردَّ الاعتداء بمثله، حتى لا يختمر الغضب في نفسك، وقد ينتج عنه ما هو أشد وأبلغ في ردِّ العقوبة، يبيح لك الرد بالمثل لتنتهي المسألة عند هذا الحد ولا تتفاقم، فمَنْ ضربك ضربة فلك أنْ تُنفِّس عن نفسك وتضربه مثلها، لك ذلك، لكن تذكرَّ المثلية هنا، لا بد أن تكون تامة، كما قال سبحانه في موضع آخر:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. .}[النحل: ١٢٦] .
وهل تستطيع أن تضبط هذه المثلية فتردّ الضربة بمثلها؟ وهل قوتك كقوته، وحِدَّة انفعالك كحِدَّة انفعاله؟ ولو حدث وزدْتَ في ردِّك نتيجة غضب، ماذا تفعل؟ أتسمح له أنْ يردَّ عليك هذه الزيادة؟ أم تكون أنت ظالماً معتدياً؟
إذن: ماذا يُلجئك لمثل هذه المتاهة، ولك في التسامح سِعَة، وفي قول الله بعدها:{وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[النحل: ١٢٦] مَخْرج من هذا الضيق؟
وسبق أنْ حكينا قصة المرابي اليهودي الذي قال لطالب الدَّيْن: إن تأخرت في السداد أشترط عليك أنْ آخذ رطلاً من لحمك. وجاء وقت السداد ولم يُوف المدين، فرفعه الدائن إلى القاضي وأخبره بما اشترطه عليه، فقال القاضي: نعم من حقك أن تأخذ رطلاً من لحمه لكن بضربة واحدة بالسكين تأخذ رطلاً، إنْ زاد أو نقص أخذناه منك.