فأنت لم تَرَهُ ونُنبهك إليه، وإنْ كانت للأمر الذي لا يُدرَك بالعين فهي بمعنى: ألم تعلم. وتركنا العلم إلى الرؤية لنبين لك أن الذي يُعلِّمك الله به أوثق مما تهديك إليه عَيْنك.
فالمعنى: ألم تعلم وألم تنظر؟ . المعنيان معاً.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً. .}[الحج: ٦٣] فهذه آية تراها، لكن ترى منها الظاهر فقط، فترى الماء ينهمر من السماء، إنما كيف تكَّون هذا الماء في طبقات الجو؟ ولماذا نزل في هذا المكان بالذات؟ هذه عمليات لم تَرَها، وقدرة الله تعالى واسعة، ولك أن تتأمل لو أردتَ أنْ تجمع كوب ماء واحد من ماء البخار، وكم يأخذ منك من جهد ووقت وعمليات تسخين وتبخير وتكثيف، فهل رأيتَ هذه العمليات في تكوين المطر؟
إذن: رأيت من المطر ظاهرة، لذلك يلفتك ربك إلى ما وراء هذا الظاهر لتتأمله.
لذلك؛ جعل الخالق - عَزَّ وَجَلَّ - مسطح الماء ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، فاتساع مُسطَّح الماء يزيد من البَخْر الذي ينشره الله تعالى على اليابس، كما لو وضعتَ مثلاً كوبَ ماء في غرفتك، وتركتَه مدة شهر أو شهرين، ستجد أنه ينقص مثلاً سنتيمتراً، أما لو نثرتَ الكوب على أرض الغرفة فسوف يجفّ بعد دقائق.
إذن: فاتساع رقعة الماء يزيد من كمية البخار المتصاعد منها، ونحن على اليابس نحتاج كمية كبيرة من الماء العَذْب الصالح للزراعة وللشرب. . الخ، ولا يتوفر هذا إلا بكثرة كمية الأمطار.
ثم يُبيِّن سبحانه نتيجة إنزال الماء من السماء: {فَتُصْبِحُ الأرض