الأخرى لبُعْد المسافات وانعدام وسائل الاتصال والالتقاء التي نراها اليوم، والتي جعلتْ العالم كله قرية واحدة، ما يحدث في أقصى الشرق تراه وتسمع به في أقصى الغرب، وفي نفس الوقت.
لما عاش الناس هذه العزلة لا يدري أحد بأحد لدرجة أنهم كانوا منذ مائتي عام يكتشفون قارات جديدة.
وقد نشأ عن هذه العزلة أنْ تعددت الداءات بتعدد الجماعات، فكان الرسول أو النبي يأتي ليعالج الداءات في جماعة بعينها يُبعَث إلى قومه خاصة، فهذا ليعالج مسألة الكيل والميزان، وهذا ليعالج طغيان المال، وهذا ليعالج انحراف الطباع وشذوذها، وهذا ليعالج التعصب القبلي.
أما رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فجاءت في بداية التقاء الجماعات هنا وهناك، فكانت رسالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عامة للناس كافة، وتجد أصول الرسالات عند موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أصولاً واحدة، أمّا الفروع فتختلف باختلاف البيئات.
لكن، لما كان في علمه تعالى أن هذه العزلة ستنتهي، وأن هذه البيئات ستجتمع وتلتقي على أمر واحد وستتحد فيها الداءات؛ لذلك أرسل الرسول الخاتم لهم جميعاً على امتداد الزمان والمكان.
وفي هذه الآية:{لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ. .}[الحج: ٦٧] أي: أن الحق سبحانه جعل لكل أمة من الأمم التي بعث فيها الرسل مناسك تناسب أقضية زمانهم؛ لأنهم كانوا في عزلة بعضهم عن بعض، كما جاء في قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً. .}[المائدة: ٤٨] فالشرائع تختلف في الفروع المناسبة للزمان وللمكان وللبيئة،