ليباركوه، فكانت الدماء تسيل عندها وتتناثر عليها، فيحطّ عليها الذباب، ويأخذ من هذه الدماء على أَرْجُله النحيفة هذه أو على أجنحته أو على خرطومه، فتحدَّاهم أن يعيدوا من الذباب ما أخذه، وهذه مسألة أسهل من مسألة الخَلْق.
ولك أنْ تُجرِّب أنت هذه العملية، إذا وقع ذباب على العسل الذي أمامك، فلا بُدَّ أن يأخذ منه شيئاً ولو كان ضئيلاً لا يُدرَك ولا يُوزَن ولا تكاد تراه، لكن أتستطيع أنْ تُمسِك الذبابة وتردّ ما أخذتْ منك؟
لذلك يقول تعالى بعدها:{ضَعُفَ الطالب والمطلوب}[الحج: ٧٣] يعني: كلاهما ضعيف، فالذباب في ذاته ضعيف وهم كذلك ضعفاء، بدليل أنهم لن يقدروا على هذه المسألة، لكن هناك ضعيف يدَّعي القوة، وضعيف قوته في أنه مُقِرٌّ بضعفه، فالذباب وإنْ كان ضعيفاً إلا أن الله تعالى قال فيه:{إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا. .}[البقرة: ٢٦] يعني: ما فوقها في الصِّغر، ليس المراد ما فوقها في الكبر كالعصفور مثلاً.
ثم يقول الحق سبحانه:{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ. .} .