وما عرفوا قَدْره، ولو عرفوا ما عبدوا غيره، ولا عبدوا أحداً معه من هذه الآلهة التي لا تخلق ذباباً، ولا حتى تسترد ما أخذه منهم الذباب، فكيف يُسَوُّون هؤلاء بالله ويقارنونهم به عَزَّ وَجَلَّ؟ إنهم لو عرفوا لله تعالى قَدْره لاستحيوا من ذلك كله.
ثم تُذيَّل الآية بقوله تعالى:{إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٧٤] فما مناسبة هاتين الصفتين للسياق الذي نحن بصدده؟
قالوا: لأن الحق - سبحانه وتعالى - تكلَّم في المثَل السابق عَمَّنْ انصرفوا عن عبادته سبحانه إلى عبادة الأصنام وقال:{ضَعُفَ الطالب والمطلوب}[الحج: ٧٣] فقال في مقابل هذا الضعف إن الله لقويُّ، قوة عن العابد؛ لأنه ليس في حاجة إلى عبادته، وقوة عن المعبود لأنه لو شاء حَطَّمه، وما دُمْتم انصرفتم عن الله وعبدتم غيره، فهذا فيه مُضارَّة، وكأن هناك معركة، فإنْ كان كذلك فالله عزيز لا يغالب.
والآية:{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ. .}[الحج: ٧٤] وردتْ في عدة مواضع في كتاب الله، منها:
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ. .}[الأنعام: ٩١] فلم يعرفوا لله تعالى قَدْره لأنهم اتهموه، وله سبحانه كمال العدل، فكيف يُكلف عباده بعبادته، ولا يبلغهم برسول؟ وهو سبحانه القائل:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء: ١٥] .
فحين يقولون:{مَآ أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ. .}[الأنعام: ٩١] كأنهم يصِفُون الحق سبحانه بأنه يُعذِّب الناس دون أنْ يُبلِّغهم بشيء. ويردّ عليهم في هذه المسألة:{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى. .}[الأنعام: ٩١] .