الجنة بربوة عالية فمعنى ذلك أنها محاطة بأمكنة وطيئة ومنخفضة عنها، فماذا يفعل المطر بهذه الجنة التي توجد على ربوة؟ وقد أخبرنا الحق بما يحدث لمثل هذه الجنة قبل أن يتقدم العلم الحديث ويكتشف آثار المياه الجوفية على الزراعة.
فهذه الجنة التي بربوة لا تعاني مما تعاني منه الأرض المستوية، ففي الأرض المستوية قد توجد المياه الجوفية التي تذهب إلى جذور النبات الشعرية وتفسدها بالعطن، فلا تستطيع هذه الجذور أن تمتص الغذاء اللازم للنبات، فيشحب النبات بالاصفرار أولا ثم يموت بعد ذلك، إنّ الجنة التي بربوة تستقبل المياه التي تنزل عليها من المطر، وتكون لها مصارف من جميع الجهات الوطيئة التي حولها، وترتوي هذه الجنة بأحدث ما توصل إليه العلم من وسائل الري، إنها تأخذ المياه من أعلى، أي من المطر، فتنزل المياه على الأوراق لتؤدي وظيفة أولى وهي غسل الأوراق.
إن أوراق النبات كما نعلم مثل الرئة بالنسبة للإنسان مهمتها التنفس، فإذا ما نزل عليها ماء المطر فهو يغسل هذه الأوراق مما يجعلها تؤدي دورها فيما نُسميه نحن في العصر الحديث بالتمثيل الكلوروفيلي. وبعد ذلك تنزل المياه إلى الجذور لتذيب العناصر اللازمة في التربة لغذاء النبات، فتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب في الماء، وينزل الماء الزائد عن ذلك في المصارف المنخفضة.
وهذه أحدث وسائل الزراعة الحديثة، واكتشفوا أن المحصول يتضاعف بها.
إن الحق يخبرنا أن من ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل هذه الجنة التي تروى بأسلوب رباني، فإن نزل عليها وابل من المطر، أخذت منه حاجتها وانصرف باقي المطر عنها، {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} ؛ والطلُّ وهو المطر والرذاذ الخفيف يكفيها لتؤتي ضعفين من نتاجها. وإذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء مرتين، فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات. والله يضرب لنا مثلا ليزيد به الإيضاح لحالة من ينفق ماله رئاء الناس فيسأل عباده المؤمنين وهو أعلم بهم فيقول جل شأنه: