وواعظه من داخله، وهؤلاء الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
ومنهم مَنْ يخرج على منهج ربه خروجاً لا رجعةَ له ولا زاجر، وهذا نسميه بلغتنا (فاقد) يعني: لم يَعُدْ له زاجر من شرع ولا من ضمير. ويبقى بعد ذلك زاجر المجتمع حين يرى مثل هؤلاء الخارجين عن منهج الحق عليه أنْ يتصدَّى لهم، ويقاطعهم ولا يودهم ولا يحترمهم، وإلا لو ظَلَّ المنحرف ومرتكب القبائح على حاله من احترام الناس وتقديرهم، ولو ظلَّ على مكانته في المجتمع لتمادى في غَيِّه وأسرف على نفسه وعلى مجتمعه فيستشري بذلك الشر في المجتمع، ويعُمّ الفساد وتشيع الفوضى.
ألاَ ترى الشرع الحكيم حين جعل الدية في القتل على العاقلة يعني: عائلة القاتل، لا على القاتل وحده؟ لماذا؟ لكي يأخذوا على يد ولدهم إن انحرف أو بدَتْ عنده بوادر الاعتداء؛ لأنهم جميعاً سيحملون هذه التبعة.
ونقول: خُصَّ الملأ بالذات؛ لأنهم هم المنتفعون بالشر والفساد في المجتمع، ومن مصلحتهم أنْ يستمر هذا الوضع لتبقى لهم سلطتهم الزمنية ومكانتهم؛ لذلك هم أول مَنْ يقابلون الرسالات بالجحود والنكران. ألم يقل الحق سبحانه عنهم في آية أخرى:{مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا. .}[هود: ٢٧] .
فهؤلاء الذين يُسمُّونهم أراذل هم المستضعفون والفقراء والمطحونون والمهمومون بأمور الخَلْق والدين والقيم، فما إنْ تسمع آذانهم عن رسالة إلا تلهَّفوا عليها وارتموا في أحضانها لأنها جاءت لتنقذهم؛ لذلك يكونون أول مَنْ يؤمن. وإنْ جاء المنهج لإنصاف