للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى: {مُنزَلاً مُّبَارَكاً. .} [المؤمنون: ٢٩] الشيء المبارك: الذي يعطي فوق ما يتصور من حجمه، كأن يعيش شخص براتب بسيط عيشة كريمة ويُربِّي أولاده أفضل تربية، فيتساءل الناس: من أين ذلك؟ ونقول: إنها البركة التي تحلّ في القليل فيصير كثيراً، صحيح أن الوارد قليل لكن يُكثِّره قلة المنصرف منه.

وقد مثّلنا لذلك بواحد يرتزق من الحلال، فيُيسِّر الله أمره، ويقضي مصالحه بأيسر تكلفه، فإذا مرض ولده مثلاً يشفيه الله بقرص أسبرين وكوب من الشاي، ولا يفزع لمرضه؛ لأنه مطمئن القلب، راضي النفس، واثق في معونة الله. أما الذي يتكسب من الحرام ويأكل الرشوة. . الخ إنْ مرض ولده يُهرع به إلى الأطباء ويتوقع في ولده أخطر الأمراض، فإنِ ارتشى بعشرة صرف عليها مائة.

وسبق أن قلنا: إن هذه البركة هي رزق السَّلْب الذي لا يزيد من دخلك، إنما يُقلِّل من مصروفاتك.

وكلمة {وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} [المؤمنون: ٢٩] أم أنه سبحانه المُنزِل الوحيد؟ الله خير المنزلين يعني: أباح أن يقال للعبد أيضاً مُنزِل حين يُنزل شخصاً في مكان مريح، كأن يُسكنه مثلاً في شقة مريحة، أو يستقبله ضيفاً عليه. . الخ. وإنْ كنتَ منزِلاً بهذا المعنى، فالله عَزَّ وَجَلَّ هو خير المنزلين؛ لأنه سبحانه حين يُنزلك ينزل على قَدْره تعالى، وعلى قَدْر كرمه وعطائه.

إذن: الحق - تبارك وتعالى - لم يضِنّ عليه خَلْقه أنْ يصفهم بما وصف به نفسه، فلم يضنّ عليك أنْ يصفك بالخَلْق فقال: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين. .} [المؤمنون: ١٤] فأثبت لك صفة الخَلْق، لأنك توجد

<<  <  ج: ص:  >  >>