وفي قوله تعالى:{فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث. .}[القلم: ٤٤] .
والمعنى: ذرهم لي أنا أتولى عقابهم، وأفعل بهم ما أشاء، أو: ذرهم يفعلون ما يشاءون ليستحقوا العقاب، وينزل بهم العذاب.
والغمرة: جملة الماء التي تغطي قامة الرجل وتمنع عنه التنفس، فلا يبقى له من أمل في الحياة إلا بمقدار ما في رئته لأكبر قدر من الهواء؛ لذلك يحرص الإنسان على أنْ يُمرِّن نفسه على أن تتسع رئته لأكبر قدر من الهواء.
ومن ذلك أخذت كلمة المنافسة، وأصلها أن يغطس اثنان تحت الماء ليختبر كل منهما الآخر: أيّهما يبقى فترة أطول تحت الماء ودون تنفس.
ويقول تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون}[المطففين: ٢٦] وتستطيع أن تُجري مع نفسك هذه المنافسة، بأن تأخذ نفساً عميقاً ثم تعد: واحد، اثنان وسوف ترى مقدار ما في رئتك من الهواء.
فالمعنى: ذَرْهم في غبائهم وغفلتهم فلن يطول بهم الوقت؛ لأنهم كمن غمره الماء، وسرعان ما تنكتم أنفاسه ويفارق الحياة؛ لذلك قال تعالى بعدها:{حتى حِينٍ}[المؤمنون: ٥٤] والحين مدة من الزمن قد تطول، كما في قوله تعالى:{تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا. .}[إبراهيم: ٢٥] .
وقد تقتصر كما في قوله تعالى:{فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم: ١٧] وكأن الله تعالى عَبّر بالغمرة ليدل على أن حينهم لن يطول.
ثم ينتقل السياق ليعالج قضية قد تشغل حتى كثيراً من المؤمنين: