وليْتَه اكتفى عند هذا الحدِّ، إنما يتعدّى هذا، كما جاء في قوله تعالى:{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً. .}[الزمر: ٨] يقول كما قال قارون: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِي. .}[القصص: ٧٨] يعني: هذا بمجهودي وتعبي، وقد كلمت فلاناً، وفعلت كذا وكذا.
لذلك كان طبيعياً أن يقول له ربه: ما دُمْتَ قد أوتيتَهُ على علم عندك، فاحفظه بعلم عندك قال تعالى:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض. .}[القصص: ٨١] .
فأين الآن عِلْمك؟ وأيُّ علم هذا الذي لا يستطيع أن يحتفظ بما أتى به؟ ومعلوم أن استنباط الشيء أصعب من حفْظه وصيانته.
ومعنى {لَّلَجُّواْ. .}[المؤمنون: ٧٥] تمادوا {فِي طُغْيَانِهِمْ. .}[المؤمنون: ٧٥] والطغيان: مجاوزة الحدِّ؛ لأن الله تعالى جعل لكل شيء في الوجود حَدَّاً مرسوماً لا ينقص ولا يزيد، فإن اتبعتَ هذا الحدّ الذي رسمه الله لك استقمتَ واستقامتْ حركة حياتك بلا منازع، ولو طغى الشيء أفسد حركة الحياة، حتى لو كان الماء الذي جعل الله منه كل شيء حيٍّ، لو طغى يُغرق ويُدمّر بعد أنْ كان سر الحياة حال اعتداله. ومنه قوله سبحانه:{إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية}[الحاقة: ١١] .
ويقال لمن جاوز الحدَّ: طاغية بتاء التأنيث الدالة على المبالغة، فإنْ تجاوز هذه أيضاً نقول: طاغوت.
ثم تأتي نتيجة التمادي في الطغيان {يَعْمَهُونَ}[المؤمنون: ٧٥] يعني: يتحيرون ويَعْمَوْن عن الرُّشْد والصواب، فلا يُميّزون بين خير وشر.