فقدَّم البصر على السمع؛ لأن في القيامة تفجؤهم المرائي أولاً قبل أنْ تفجأهم الأصوات، وهذه من مظاهر الدقة في الأداء القرآني المعجز.
وكأن الحق سبحانه يقول: لا عُذْر لك عندي فقد أعطيتُك سمعاً لتسمع البلاغ عني من الرسول، وأعطيتُك عَيْناً لتلتفت إلى آيات الكون، وأعطيتُك فؤاداً تفكر به، وتنتهي إلى حصيلة إيمانية تدلُّك على وجود الخالق عَزَّ وَجَلَّ.
إذن: ما أخذتُك على غِرَّة، ولا خدعتُك في شيء، إنما خلقتُك من عدم، وأمددتُك من عُدم، ورتبتُ لك منافذ الإدراك ترتيباً منطقياً تكوينياً، فأيُّ عذر لك بعد ذلك. . وإياكم بعد هذا كله أنْ تشغلكم الأهواء، وتصْرفكم عن البلاغ الذي جاءكم على لسان رسولنا.
والمتأمل في تركيب كل من الأذن والعين يجد فيهما آيات ومعجزات للخالق - عَزَّ وَجَلَّ - ما يزال العلماء لم يصلوا رغم تقدُّم العلوم إلى أسرارها وكُنْهها.
ثم يقول سبحانه في ختام الآية:{قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}[المؤمنون: ٧٨] لأن هذه نِعَم وآلاء وآيات لله، كان ينبغي أن تشكر حَقَّ الشكر.
البعض يقول في معنى {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}[المؤمنون: ٧٨] أنه تعالى عبَّر عن عدم الشُّكْر بالقلة، وهذا الفهم لا يستقيم هنا؛ لأن الله تعالى أثبت لعباده شكراً لكنه قليل، وربك - عَزَّ وَجَلَّ - يريد شكراً دائماً يصاحب كل نعمة ينعم بها عليك، فساعة ترى الأعمى الذي