ولمَ نستبعد نُطْق اللسان على هذه الصورة، وقد قال تعالى:{إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[يس: ٨٢] وقد جعل فيك أنت أيها الإنسان نموذجاً يؤكد صِدْق هذه القضية. فَقُلْ لي: ماذا تفعل إنْ أردتَ أن تقوم الآن من مكان؟ مجرد إرادة القيام ترى نفسك قد قُمْتَ دون أن تفكر في شيء، ودون أن تستجمع قواك وفكرك وعضلاتك، إنما تقوم تلقائياً دون أن تدري حتى كيفية هذا القيام، وأيّ عضلات تحركت لآدائه.
ولك أنْ تقارن هذه الحركة التلقائية السَّلسِة بحركة الحفار أو الأوناش الكبيرة، وكيف أن السائق أمامه عدد كبير من العِصيِّ والأذرع، لكل حركة في الآلة ذراع معينة.
فإذا كان لك هذه السيطرة وهذا التحكم في نفسك وفي أعضائك، فكيف تستبعد أن يكون لربك - عَزَّ وَجَلَّ - هذه السيطرة على خَلْقه في الآخرة؟
إذن: فاللسان محلّ القول، وهو طَوْع إرادتك في الدنيا، أما في الآخرة فقد شُلَّتْ هذه الإرادة ودخلتْ في قوله تعالى:{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}[غافر: ١٦] .
ثم يقول سبحانه:{وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[النور: ٢٤] وهذه جوارح لم يكُنْ لها نُطْق في الدنيا، لكنها ستنطق اليوم. ويحاول العلماء تقريب هذه المسألة فيقولون: إن الجارحة حين تعمل أيَّ عمل يلتقط لها صورة تسجل ما عملتْ، فنُطْقها يوم القيامة أن تظهر هذه الصورة التي التقطت.
والأقرب من هذا كله أن نقول: إنها تنطق حقيقة، كما قال تعالى حكايةً عن الجوارح: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله