فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين: رزق أنتفع به مباشرة، ورزق هو سبب لما أنتفع به مباشرة.
أنا آكل رغيف الخبز، هذا اسمه رزق مباشر، وأشرب كون الماء، وهو رزق مباشر، واكتسي بالثوب وذلك أيضاً رزق مباشر، وأسكن في البيت وهذا رابعاً رزق مباشر، وأنير المصباح رزق مباشر. ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر. فإذا كان عندي جبل من ذهب وأنا جوعان، ماذا أفعل به؟ . إذن فرغيف العيش أحسن منه، هذا رزق مباشر، فالنقود أو الذهب أشتري بها هذا وهذا، لكن لا يغنيني عن هذا وهذا.
وقد جاء وقت أصبح الناس يرون فيه أن المال هو كل شيء حتى صار هدفا وتعلق الناس به. . وفي الحق أنّ المال ليس غاية، ولا ينفع أن يكون غاية بل هو وسيلة. فإن فقد وسيلته وأصبح غاية فلا بد أن يفسد الكون؛ فعلة فساد الكون كله في القدر المشترك الذي هو المال، حيث أصبح المال غاية، ولم يعد وسيلة.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطهر حياة الاقتصاد للناس طهارة تضمن حِلّ ما يطعمون، وما يشربون، وما يكتسون، حتى تصدر أعمالهم عن خليات إيمانية طاهرة مصفاة؛ ذلك أن الشيء الذي يصدر عن خلية إيمانية طاهرة مصفاة لا يمكن أن ينشأ عنه إلا الخير.
ومن العجيب أن نجد القوم الذين صدروا لنا النظام الربوي يحاولون الآن جاهدين أن يتخلصوا منه، لا لأنهم ينظرون إلى هذا التخلص على أنه طهارة دينية، ولكن لأنهم يرون أن كل شرور الحياة ناشئة عن هذا الربا. وليست هذه الصيحة حديثة عهد بنا، فقديما أي من عام ألف وتسعمائة وخمسين قام رجل الاقتصاد العالمي «شاخت» في ألمانيا وقد رأى اختلال النظام فيها وفي العالم، فوضع تقريره بأن الفساد كله ناشئ من النظام الربوي، وأن هذا النظام يضمن للغني أن يزيد غنى، وما دام هذا النظام قد ضمن للغني أن يزيد غنى، فمن أين يزداد غنى؟ لاشك أنه يزداد غنى من الفقير. إذن فستئول المسألة إلى أن المال سيصبح في يد أقلية في الكون تتحكم في مصائره كلها ولاسيما المصائر الخلقية. لماذا؟ .