إنما هي لمنع هذه الجريمة البشعة التي بُدِئَتْ بها هذه السورة؛ لأن النظر أول وسائل الزنا، وهو البريد لما بعده، أَلاَ ترى شوقي رَحِمَهُ اللَّهُ حين تكلم عن مراحل الغَزَل يقول:
فالأمر بغَضِّ البصر لِيسدَّ منافذ فساد الأعراض، ومَنْع أسباب تلوث النسل؛ ليأتي الخليفة لله في الأرض طاهراً في مجتمع طاهر نظيف شريف لا يتعالى فيه أحد على أحد، بأن له نسباً وشرفاً، والآخر لا نسبَ له.
ذلك ليطمئن كل إنسان على أن مَنْ يليه في الخلافة من أبناء أو أو أحفاد إنما جاءوا من طريق شرعيٍّ شريف، فيجتهد كل إنسان في أن يُنشِّيء أطفاله تنشئةً فيها شفقة، فيها حنان ورحمة؛ لأنه واثق أنه ولده، ليس مدسوساً علي، وأغلب الظن أن الذين يُهملون أطفالهم ولا يُراعون مصالحهم يشكُّون في نسبهم إليهم.
ولا يصل المجتمع إلى هذا الطُّهْر إلا إذا ضمنتَ له الصيانة الكافية، لئلا تشرد منه غرائز الجنس، فيعتدي كل نظر على مَا لا يحلّ له؛ لأن النظر بريد إلى القلوب، والقلوب بريد إلى الجنس، فلا يعفّ الفرج إلا بعفاف النظر.
ونلحظ في قوله تعالى:{قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ. .}[النور: ٣٠] دقة بلاغ الرسول عن ربه - عَزَّ وَجَلَّ - وأمانته في نقل العبارة كما أُنزِلَتْ عليه، ففي هذه الآية كان يكفي أن يقول رسول الله: غُضُّوا أبصاركم، لكنه التزم بنص ما أُنزِل عليه؛ لأن القرآن لم ينزل للأحكام فقط، وإنما القرآن هو كلام الله المنزّل على رسوله والذي يُتعبَّد بتلاوته، فلا بُدَّ أنْ يُبلّغه الرسول كما جاءه من ربه.