صانع أنْ يتقن صَنْعته ويُخلِص فيها، والإنسان غالباً لا يحسن إلا زاوية واحدة في حياته، هي حرفته وتخصصه، وربما لا يحسنها لنفسه؛ لأنه لا يتقاضى عليها أجراً، لذلك يقولون (باب النجار مخلع) أما إنْ عمل للآخرين فإنه يُحسِن عمله ويتقن صنعته، وكذلك يتقن الناس لك ما في أيديهم، فتستقيم الأمور، فأحْسن ما في يدك للناس، يحسنْ لك الناسُ ما في أيديهم.
وقوله تعالى:{والله يَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[النور: ٤٦] .
ولقائل أنْ يسأل: وما ذنب مَنْ لم يدخل في هذه المشيئة فلم يُهْتد؟ وسبق أن قلنا: إن الهداية نوعان: هداية الدلالة وهداية المعونة على الدلالة.
فالله تعالى يهدي الجميع هداية الدلالة، ويبين للكل أسباب الخير وسُبل النجاة وطريق الفلاح والأسلوب الأمثل في إدارة حركة الحياة، فمَنْ سمع كلام الله ووثق في توجيهه وأطاع في هداية الدلالة أعانه بهداية المعونة.
فاعلم أنهم امتنعوا عن هداية الدلالة فامتنعت عنهم هداية المعونة، لا هداية الدلالة والإرشاد والبيان.
وقلنا: إن كلمة {أَنزَلْنَآ}[النور: ٤٦] تشعر باحترام الشيء المنزّل؛ لأن الإنزال لا يكون إلا من العُلُو إلى الأدنى، فكأن ربك عَزَّ وَجَلَّ حين يكلفك يقول لك: أريد أن أرتفع بك من مستوى الأرض إلى عُلو السماء؛ لذلك يقول تعالى في موضع آخر:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١٥١] .