وتصدير الآية الكريمة ب (إنما) يدل على أنها سبقها مقابل، هذا المقابل على النقيض لما يجيء بعدها، فالمنافقون أعرضوا وردُّوا حكم الله ورسوله، والمؤمنون قالوا سمعنا وأطعنا، كما تقول: فلان كسول إنما أخوه مُجِدٌّ. فقول المنافقين أنهم لا يقبلون حكم الله ورسوله، أمّا المؤمنون فيقبلون حكْم الله ورسوله.
ومعنى {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[النور: ٥١] يعني: سمعنا سمعاً واعياً يليه إجابة وطاعة، لا مجرد أنْ يصل الصوت إلى أذن السامع دون أن يُؤثر فيه شيء.
ويقول تعالى في موضع آخر:{وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق}[المائدة: ٨٣] .
فالسمع له وظيفة، وهو هنا بمعنى: أجَبْنا يا رب، وصممنا على الإجابة، وهذا وعد كلامي يتبعه تنفيذ وطاعة. مثل قولنا في الصلاة: سمع الله لمن حمده، يعني: أجاب الله مَنْ حمده.
{وأولئك هُمُ المفلحون}[النور: ٥١] المفلحون: الفائزون الذين بلغوا درجة الفلاح، ومن العجيب أن يستخدم الحق سبحانه كلمة الفلاح، وهي من فلاحة الأرض؛ لأن الفلاحة في الأرض هي أصل الاقتيات، وكل مَنْ أتقن فلاحة أرضه جاءت عليه بالثمرة الطيبة، وزاد خيره، وتضاعف محصوله، حتى إن حبة القمح تعطي سبعمائة حبة، فإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعالى تعطي من يزرعها كل