إذن: فالجنة التي تراها في الدنيا مهما بلغت فليست هي جنة الخلد؛ لأنها لا بد إلى زوال، فعُمرها من عُمْر دُنْياها، كأنه سبحانه يقول لكل صاحب جنة في الدنيا: لا تغترْ بجنتك؛ لأنها ستؤول إلى زوال، وأشدّ الغم لصاحب السرور أنْ يتيقن زواله، كما قال الشاعر:
لذلك يُطمئِن الله تعالى عباده المؤمنين بأن الجنة التي وعدهم بها هي جنة الخلد والبقاء، حيث لا يفنى نعيمها، ولا يُنغّص سرورها، فلذَّاتها دائمة، لا مقطوعة ولا ممنوعة.
وقوله تعالى:{التي وُعِدَ المتقون}[الفرقان: ١٥] الوعد هنا من الله تعالى الذي يملك كل أسباب الوفاء، والوَعْد بشارة بخير قبل مجيئه لتستعد لأن تكون من أهله، ويقابله الإنذار، وهو التهديد بشرٍّ قبل مجيئه لتتلافاه، وتجتنب أسباب الوقوع فيه.
وكلمة (مُتَّقٍ) الأصل فيها مَنْ جعل بينه وبين الشر وقاية، كما يقول سبحانه:{فاتقوا النار}[البقرة: ٢٤] يعني: اجعلوا بينكم وبينها وقاية.
ومن العجيب أن يقول سبحانه:{واتقوا الله}[البقرة: ١٩٤] ويقول {فاتقوا النار}[البقرة: ٢٤] والمعنى: اجعلوا بينكم وبين صفات جلاله القهرية وقايةً؛ لأنكم لا تتحمّلون صفات قَهْره، والنار جُنْد من جنود الله في صفات جلاله، فكأنه تعالى قال: اتقوا جنود صفات الجلال من الله.
وقوله تعالى:{كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً}[الفرقان: ١٥] أي: جزاءً لما قدَّموا، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى:{كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية}[الحاقة: ٢٤] فهذا تعليلُ ما هم فيه من النعيم: أنهم كثيراً ما تَعِبُوا، واضطهدوا وعُذِّبوا، وجزاء من عُذِّب في ديننا أن نُسعده الآن في الآخرة.