ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رغم كل المحاولات لم يتمكن من هداية عمه أبي طالب، وهذا لا يكون إلا في الدنيا، لذلك فاعلم أن الله تعالى حين يحجب عنك ما تشاء في الدنيا إنما ليدخره لك كما يشاء في الآخرة، مع أن الكثيرين يظنون هذا حرماناً، وحاشا لله تعالى أن يحرم عبده.
وفي قوله:{لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ}[الفرقان: ١٦] عطاءات أخرى، لكن ربك يعطيك على قَدْر معرفتك بالنعيم، ويجعل عليك (كنترولاً) فأنت تطلب وربُّكَ يعطيك، ويدخر لك ما هو أفضل مما أعطاك.
والمشيئة في الأخرى ستكون بنفسيات ومَلَكات أخرى غير نفسيات ومَلكات مشيئات الدنيا، إنها في الآخرة نفوس صفائية خالصة لا تشتهي غير الخير، على خلاف ما نرى في الدنيا من ملَكات تشتهي السوء، لأن الملَكات هنا محكومة بحكم الجبر في أشياء والاختيار في أشياء: الجبر في الأشياء التي لا تستطيع أن تتزحزح عنها كالمرض والموت مثلاً، أما الاختيار ففي المسائل الأخرى.
ثم يقول سبحانه:{كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً}[الفرقان: ١٦] الوعد كما قلنا البشارة بخير قبل أوانه. وبعض العلماء يرى أن وعداً هنا بمعنى حق، لكن هل لأحد حق عند الله؟
وفي موضع آخر يُسمِّه تعالى جزاءً، فهل هو وعد أم جزاء؟ نقول: حينما شرع الحق سبحانه الوعد صار جزاءً؛ لأن الحق تبارك وتعالى لا يرجع في وعده، ولا يحول شيء دون تحقيقه.
وكلمة {مَّسْئُولاً}[الفرقان: ١٦] مَن السائل هنا؟ قالوا: الله تعالى علَّمنا أن نسأله، واقرأ قوله تعالى:{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ}[آل عمران: ١٩٤] فقد سألناها نحن.