وقولهم:{لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا}[الفرقان: ٢١] وهذا يدلّ على تكبُّرهم واعتراضهم على كَوْن الرسول بَشَراً، وفي موضع آخر قالوا:{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}[التغابن: ٦] .
إذن: كل ما يغيظهم أن يكون الرسول بشراً، وهذا الاستدراك يدلُّ على غبائهم، فلو جاء الرسول ملَكاً ما صَحَّ أن يكون لهم قدوة، وما جاء الرسول إلا ليكون قُدْوةً ومُعلِّماً للمنهج وأُسْوة سلوك، ولو جاء ملَكاً لأمكنه نعم أنْ يُعلِّمنا منهج الله، لكن لا يصح أنْ يكون لنا أُسْوة سلوك، فلو أمرك بشيء وهو مَلَك لَكان لك أنْ تعترض عليه تقول: أنت مَلَكٌ تقدر على ذلك، أمَّا أنا فبشر لا أقدر عليه.
فالحق سبحانه يقول: لاحظوا أن للرسل مهمتين: مهمةَ البلاغ، ومهمة الأُسْوة السلوكية، فلو أنهم كانوا من غير طبيعة البشر لتأتّى لهم البلاغ، لكن لا يتأتى لهم أن يكونوا قُدْوة ونموذجاً يُحتذى.
ولو جاء الرسول ملَكَا على حقيقته ما رأيتموه، ولا حتجتم له على صورة بشرية، وساعتها لن تعرفوا أهو ملَكَ أم بشر، إذن، لا بُدَّ أن تعود المسألة إلى أن يكون بشراً، لذلك يقول سبحانه:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ}[الأنعام: ٩] .
ومسألة نزول الملائكة مع الرسول من الاقتراحات التي اقترحها الكفار على رسول الله ليطلبها من ربه، وهذا يعني أنهم يريدون دليلَ تصديق على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وسبق أنْ جاءهم رسول الله بمعجزة من جنس ما نبغُوا فيه وعجزوا أنْ يُجَاروه فيها، ليثبت أن ذلك جاء من عند ربهم القوي، ومعنى هذه المعجزة أنها تقوم مقام قوله صدق عبدي في كل ما يُبلِّغ عني. وما دامت المعجزة قد جاءتْ بتصديق الرسول، فهل هناك معجزة أَوْلَى من معجزة؟