وحينما تحدثنا عن قوله تعالى:{وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ}[النور: ٦١] كلها بصيغة الجمع إلا في قوله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}[النور: ٦١] بصيغة المفرد، لماذا؟ لأن صداقة المؤمنين ينبغي ألاَّ تكون إلا لمعنى واحد، هو الحب لله، وفي الله، لا ينبغي أن يكون لك صديق لكذا وصديق لكذا.
وفي ذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يُحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار» .
فإذا كان أصدقاؤك يحبونك لله، فهم جميعاً كصديق واحد.
وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ}[الفرقان: ٣١] يعني: كأعدائك الذين اتخذوا القرآن مهجوراً، والذين وقفوا منك موقف التعنت والإيذاء والسخرية.
{جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ المجرمين}[الفرقان: ٣١] أي: الذين يُجرِمون يعني: يرتكبون الجرائم، وهي المعاصي والذنوب حَسْب مدلولاتها.
الحق تبارك وتعالى حينما يكشف لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حقيقة أعدائه، وأنهم كثيرون، وأنهم مجرمون إنما ليوَطِّن نفسه على ذلك، فلا يُفَاجأ به، ويتحمل أذاهم إنْ أصابوه بسوء. وهذه المسألة كالمصْل والتحصين الذي يعطونه للناس لمواجهة المرض قبل حدوثه، فالحق سبحانه يعطي رسوله المناعة اللازمة لمواجهة أعداء الدعوة.