للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسبق أنْ ذكرنا ما كان من أسف المؤمنين حين يفوتهم قَتْل أحد صناديد الكفر في المعركة، فكانوا يألمون لذلك أشدَّ الألم، وهم لا يدرون أن حكمة الله كانت تدخرهم للإيمان فيما بعد، ومنهم خالد ابن الوليد الذي أصبح بعد ذلك سيف الله المسلول.

والأنعام قُلْنا: لا دخلَ لها في مسألة الهداية أو الضلال؛ لأنها مُسخَّرة لا اختيارَ لها؛ لذلك ضرب الله بها المثل لليهود: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة: ٥] فالحمار مهمته أنْ يحمل فحسب، أمّا أنت أيها اليهودي فمهمتك أن تحمل وتطبق، الحمار لا يطبق؛ لأنه لم يُطلب منه ذلك، مع أن الحيوان يعرف صاحبه ويعرف طعامه ومكان شرابه، ويعرف طريقه ومكان مبيته، حتى أن أحدهم مات على ظهر جواده، فسار به الجواد إلى بيته.

إذن: فالأنعام تفهم وتعقل في حدود المهمة التي خلقها الله لها، ولا تُقصِّر في مهمتها، أما المهمة الدينية فتعلمها في باطن الأمر، لكن لا يُطلَب منها شيء الآن، لأنها انتهتْ من هذه المسألة أولاً، كما قال سبحانه وتعالى:

{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: ٧٢] ؟

فاختاروا أن يكونوا مُسيَّرين بالغريزة محكومين بها، إذن: فلهم اختيار، لكن نفّذوا اختيارهم جملةً واحدة من أول الأمر.

خُذْ مثلاً الهدهد وهو من المملوكات التي سخّرها الله لسليمان عليه السلام يقول له: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: ٢٢] أيُّ ديمقراطية هذه التي تمتَّع بها الهدهد مع سليمان.؟! إذن: فحتى الحيوانات تعرف هذه القضية، وإنْ لم يُطلَب

<<  <  ج: ص:  >  >>