رَدْع طاقيّ، فلم يَعُد الإنسان صالحاً للحركة، ولا للتعايش السالم مع جوارحه، لقد كثُرتْ ذنوبه ومعاصيه حتى ضاقتْ بها الجوارح، فيأتي النوم ليريحها.
وهذه الظاهرة نشاهدها مثلاً في موسم الحج، يقول لك الحاج: يكفيني أنْ أنامَ في اليوم ساعة أو ساعتين لماذا؟ لأن السيئات في هذا المكان قليلة، فجوارحك في راحة وانسجام معك فلا تحملك على النوم، أمّا العاصي فلا يكفيه أن ينام عشرة ساعات؛ لأن جوارحه وأعضاءه مُتْعَبة متضايقة من أفعاله.
وهذه نُفسِّر بها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه ذلك لأن جوارحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تصحبه خير صُحْبة، فهي في طاعة دائمة مستمرة، فكيف تحمله على أنْ ينام؟
والخالق عَزَّ وَجَلَّ يعامل الناس على المعنى العام، فالنفوس دائماً ميَّالة للشر جانحة للسوء؛ لذلك تتعب الطاقة وتتعب الجوارح، وكأن الله تعالى يريد إحداث هُدْنة للتعايش بينك وبين جوارحك، نَمْ لتصبح نشيطاً.
ومعنى {والنوم سُبَاتاً}[الفرقان: ٤٧] السّبْت أي: القطْع. فمعنى {سُبَاتاً}[الفرقان: ٤٧] يعني: قاطعاً للحركة، لا انقطاعاً نهائياً، إنما انقطاعاً مُسْتأنفاً لحركة أفضل، وبدن أقوى وأصحّ، فالذي يقضي ليله ساهراً يقوم من نومه مُتْعباً مُضطرباً، على خلاف مَنْ جعل وقت النوم للنوم؛ لأن الخالق عَزَّ وَجَلَّ جعل نومك بالليل على قَدْر ما تتحرك بالنهار، فإنْ أردتَ حركة مُتزنة نشيطة وقوية فنَمْ على مقدار هذه الحركة.