منهج السماء، وأما الدَّيْن فهو الاقتراض إلى موعد يسدد فيه. هكذا نجد ثلاثة معان واضحة: الدِّين: وهو يوم الجزاء، والدَّيْن وهو المنهج السماوي والدَّيْن: هو المال المقترض.
والله يريد من قوله:{تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} أن يزيل اللبس في معنيين، ويبقى معنى واحداً وهو الاقتراض فقال:{بِدَيْنٍ} فالتفاعل هنا في مسألة الدَيْن لا في الجزاء ولا في المنهج، والحق يحدد الدَيْن بأجل مُسمّى. وقد أراد الله بكلمة «مُسمّى» مزيداً من التحديد، فهناك فرق بين أجل لزمن، وبين أجل لحدث يحدث، فإذا قلت: الأجل عندي مقدم الحجيج. فهذا حدث في زمن، ومقدم الحجيج لا يضمنه أحد، فقد تتأخر الطائرة، أو يصاب بعض من الحجيج بمرض فيتم حجز الباقين في الحجر الصحي.
أما إذا قلت: الأجل عندي شهران أو ثلاثة أشهر فهذا يعني أن الأجل هو الزمن نفسه، لذلك لا يصح أن يؤجل أجل دينه إلى شيء يحدث في الزمن؛ لأنه من الجائز ألا يحدث ذلك الشيء في هذا الزمن. إن التداين بديْن إلى أجل مُسمى يقتضي تحديد الزمن، والحق يوضح لنا:{إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فاكتبوه} وكلمة {فاكتبوه} هي رفع لحرج الأحباء من الأحباء.
إنه تشريع سماوي، فلا تأخذ أحد الأريحية، فيقول لصاحبه:«نحن أصحاب» ، إنه تشريع سماوي يقول لك: اكتب الديْن، ولا تقل:«نحن أصدقاء» فقد يموت واحد منكما فإن لم تكتب الديْن حرجاً فماذا يفعل الأبناء، أو الأرامل، أو الورثة؟ .
إذن فإلزام الحق بكتابة الديْن هو تنفيذ لأمر من الله يحقق رفع الحرج بين الأحباء. ويظن كثير من الناس أن الله يريد بالكتابة حماية الدائن. لا، إن المقصود بذلك والمهم هو حماية المدين، لأن المدين إن علم أن الديْن عليه موثق حرص أن يعمل ليؤدي ديْنه، أما إذا كان الدين غير موثق فيمن الجائز أن يكسل عن العمل وعن سداد الديْن. وبذلك يحصل هو وأسرته على حاجته مرة واحدة، ثم يضن المجتمع الغني على المجتمع الفقير فلا يقرضه؛ ويأخذون عجز ذلك الإنسان عن السداد ذريعة لذلك، ويقع