فقد أعدَّه الله ليكون مخزن الماء في الكون ومصدر البَخْر الذي تتكون منه الأنهار؛ لذلك حفظه، وجعل بينه وبين الماء العذب تعايشاً سِلْمياً، لا يبغي أحدهما على الآخر رغم تجاورهما.
وقوله تعالى:{هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ}[الفرقان: ٥٣] أي: مُفرِط في العذوبة مستساغ، ومن هذه الكلمة سَمَّوْا نهر الفرات لعذوبة مائه، فلَيس المراد بالفرات أن الماء كماء نهر الفرات؛ لأن الكلمة وُضِعت أولاً، ثم سُمِّيَ بها النهر، ذلك لأن القرآن هو كلام الله الأزلي.
{وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ}[الفرقان: ٥٣] أي: شديد الملوحة، ومع ذلك تعيش فيه الأسماك والحيوانات المائية، وتتغذى عليه كما تتغذى على الماء العَذْب، كما قال سبحانه:{وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}[فاطر: ١٢] .
ثم يقول سبحانه:{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً}[الفرقان: ٥٣] البرزخ: شيء بين شيئين، وأصل كلمة برزخ: اليابسة التي تفصل بين ماءين، فإن كان الماء بين يابستين فهو خليج.
{وَحِجْراً مَّحْجُوراً}[الفرقان: ٥٣] الحِجْر: هو المانع الذي ينمع العَذْب والمالح أنْ يختلطا، والحِجْر نفسه محجور، مبالغة في المنع من اختلاط الماءيْن، كما جاء في قوله تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً}[الإسراء: ٤٥] .