وحكينا قصة الرجل الطيب الذي قابلناه في الجزائر، يقف على الطريق يُلوِّح لسيارة تحمله، فوقفنا وفتحنا له الباب ليركب معنا، وقبل أن يركب قال: بكَمْ؟ يعني: الأجرة. فقال له صاحبي: لله، فقال الرجل: إذن فهي غالية جداً. هذا هو المعنى في قوله تعالى:{إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله}[هود: ٢٩] .
وفي موضع آخر يقول سبحانه:{إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين}[يونس: ٧٢] فما العلاقة بين الأجر وبين {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين}[يونس: ٧٢] ؟
كأن المسلم ينبغي عليه أن يعمل العمل، لا لمن يعمل له، ولكن يعمله لله ليأخذ عليه الأجر الذي يناسب هذا العمل من يده تعالى، إنما إنْ أخذه من صاحبه فهو كالذي «فعل ليقال وقد قيل» وانتهتْ المسألة، وربما حتى لا يُشكر على عمله.
لذلك وردتْ هذه العبارة على ألسنة كل الرسل:{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}[الشعراء: ١٠٩] وليس هناك آية طلب فيها الأجر الظاهر إلا هذه الآية التي نحن بصددها: {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً}[الفرقان: ٥٧] .
ومعنى:{إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً}[الفرقان: ٥٧] أي: سبيلاً للمثوبة، وسبيلاً للأجر من جهاد في سبيل الله، أو صدقة على الفقراء. . إلخ.
وقوله:{إِلاَّ مَن شَآءَ}[الفرقان: ٥٧] تدل على التخيير في دَفْع الأجر، فالرسول لا يأخذ إلا طواعية، والأجر:{أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً}[الفرقان: ٥٧] من الجهاد والعمل الصالح، فكأن أجر الرسول