{وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً}[الفرقان: ٥٨] المعنى: إذا توكلتَ على الحيِّ الذي لا يموت، فآثار هذا التوكل أنْ يحميك من ذنوب العباد، فهو وحده الذي يعلم ذنوبهم، ويعلم حتى ما يدور في أنفسهم.
ألم يقُل الحق لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير}[المجادلة: ٨] .
فما زال القَوْلُ في أنفسهم لم يخرج، ومع ذلك أخبره الله به، وكأن الحق سبحانه يُطمئن رسوله: مهما تآمروا عليك، ومهما دبّروا لك، ومهما تكاتف ضدك جنودُ الإنس والجن، فاطمئِنْ لأن ربك عليم بالذنوب التي قد لا تدركها أنت، ولا حيلة عندك لردِّها، فيكفيك أن يعلم اللهُ ذنوبَ أعدائك.
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ الماكرين}[الأنفال: ٣٠] .
والخبير: الذي يعلم خبايا الأمور، حتى في مسائل الدنيا الهامة نقول: نستدعي لها الخبير؛ لأن المختص العادي لا يقدر عليها.
وفي موضع آخر يقول تعالى:{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير}[الملك: ١٤] .
ثم ينقلنا الحق تبارك وتعالى إلى آية كونية، تنضاف إلى الآيات السابقة، والهدف من ذكر المزيد من الآيات الكونية أنه لعلَّها تصادف رقَّة قلبٍ واستمالة مواجيد، فتعطف الخَلْق إلى الخالق، وتُلفِت الأنظار إليه سبحانه.