ولننظر إلى الدقة في التوثيق عندما يقول الحق:{واستشهدوا} نستشهد ونكتب، لأنه سبحانه يريد بهذا التوثيق أن يؤمّن الحياة الاقتصادية عند غير الواجد؛ لأن الحاجة عندما تكون مؤمَّنَة عند غير الواجد فالدولاب يمشي وتسير حركة الحياة الاقتصادية؛ لأن الواجد هو القليل، وغير الواجد هو الكثير، فكل فكر جاد ومفيد يحتاج إلى مائة إنسان ينفذون التخطيط.
أن الجيب الواجد الذي يصرف يحتاج إلى مائة لينفذوا، ولهذا تكون الجمهرة من الذين لا يجدون، وذلك حتى يسير نظام الحياة؛ لأن الله لا يريد أن يكون نظام الحياة تفضلا من الخلق على الخلق، إنما يريد الله نظام الحياة نظاما ضروريا؛ فالعامل الذي لا يعول أسرة قد لا يخرج إلى العمل، لذلك فالحق يربط خروج العامل بحاجته.
إنه يحتاج إلى الطعام ورعاية نفسه وأسرته فيخرج اضطرارا إلى العمل، وبتكرار الأمر يعشق عمله، وحين يعشق العمل فهو يحب العمل في ذاته.
وبذلك ينتقل من الحاجة إلى العمل، إلى حب العمل في ذاته، وإذا ما أحب العمل في ذاته، فعجلة الحياة تسير. والحق سبحانه حين يحدد الشهود بهذا القول:{واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ} .
ولماذا قال الحق:{شَهِيدَيْنِ} ولم يقل «شاهدان» ؟ لأن مطلق شاهد قد يكون زوراً، لذلك جاء الحق بصيغة المبالغة. كأنه شاهد عرفه الناس بعدالة الشهادة حتى صار شهيدا. إنه إنسان تكررت منه الشهادة العادلة؛ واستأمنه الناس على ذلك، وهذا دليل على أنه شهيد. وإن لم يكن هناك شهيدان من الرجال فالحق يحدد لنا {فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء} .
إن الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا على قدر طاقتنا أي من نرضى نحن عنهم، وعلل الحق مجيء المرأتين في مقابل رجل بما يلي:{أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى} ؛ لأن الشهادة هي احتكاك بمجتمع لتشهد فيه وتعرف ما يحدث. والمرأة