للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد قال الحق: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} إذن فعلينا أن نبحث له عن «جُعْل» يعوض عليه ما فاته، فلا نلزمه أن يعطل عمله وإلا كانت عدالته وَبالاً عليه، لأن كل إنسان يُطلب للشهادة تتعطل أعماله ومصالحه. والله لا يحمي الدائن والمدين ليضر الكاتب أو الشهيد.

وقوله الحق لكلمة: {يُضَآرَّ} فمن الممكن أن تأتي الكلمة على وجهين في اللغة، فمرة تأتي {يُضَآرَّ} بمعنى أن الضرر يأتي من الكاتب أو الشهيد، ومرة أخرى تأتي كلمة {يُضَآرَّ} بمعنى الضرر يقع على الكاتب أو الشهيد. فاللفظ واحد، ولكن حالة اللفظ بين الإدغام الذي هو عليه حسب قواعد اللغة وبين فكه هي التي تُبَيِّنُ لنا اتجاه المعنى. فإن قلنا: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} بكسر الراء، فالمعنى في هذه الحالة هو أن يقع الضرر من الكاتب فيكتب غير الحق، أو أن يقع الضرر من الشهيد فيشهد بغير العدل.

وإن قلنا: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} بفتح الراء فالمنهي عنه هو أن يقع الضرر على الكاتب أو الشهيد من الذين تؤدي الكتابة غرضا لهم، وتؤدي الشهادة واجبا بالنسبة لهم؛ ليضمن الدائن دَيْنه، وليستوثق أن أداءه محتم.

والكاتب والشهيد شخصان لهما في الحياة حركة، ولكل منهما عمل يقوم به ليؤدي مطلوبات الحياة، فإذا عُلِمَ بضم العين وكسر اللام وفتح الميم أنه كاتب أو شهد بأنه عادل، عند ذلك يتم استدعاؤه في كل وقت من أصحاب المصلحة في المداينة، وربّما تعطلت مصالح الكاتب أو الشهيد.

ويريد الله أن يضمن لذلك الكاتب أو الشهيد ما يبقى على مصلحته. ولذلك أخذت القوانين الوضعية من القرآن الكريم هذا المبدأ، فهي إن استدعت شاهدا من مكان ليشهد في قضية فإنّها تقوم له بالنفقة ذهابا وبالنفقة إيابا، وإن اقتضى الأمر أن يبيت فله حق المبيت وذلك حتى لا يضار، وهو يؤدي الشهادة، وحتى لا يتعطل الشاهد عن عمله أو يصرف من جيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>