تجعل الإنسان يعلم تمام العلم مقومات حياته، لكن السفر يخرج الإنسان عن رتابة الحياة فلا يتمكن من كثير من الأشياء التي يتمكن بها في الإقامة. فهب أنك مسافر، واضطررت إلى أن تستدين، ولا يوجد كاتب ولا يوجد شهيد، فماذا يكون الموقف؟ هاهو ذا الحق يوضح لك:{فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} . إذن فلم يترك الله مسألة الديْن حتى في السفر فلم يشرِّع فقط للإقامة ولكن الحق قد شرَّع أيضا للسفر {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} وهكذا الكتابة، والشهادة في الإقامة والرهان المقبوضة في السفر هدفها حماية الإنسان أمام ظروف ضغط المجتمع.
ولكن هل يمنع الحق سبحانه وتعالى طموحية الإيثار؟ هل يمنع الحق سبحانه وتعالى رجولية التعامل؟ هل يمنع الحق سبحانه وتعالى المروءات من أن تتغلغل في الناس؟ لا. إنه الحق سبحانه يقول:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ} إنه الطموح الإيماني، لم يَسُدّ الله مسألة المروءة والإيثار في التعامل. إن كتابة الديْن والإشهاد والرهن ليس إلزاماً لأن الله قال:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ} . وأيضا قد نفهم أن الذي اؤتمن هو المدين، وهنا نقول: لا، إن الأمر مختلف، فهنا رهان، وذلك معناه وجود مسألتين، المسألة الأولى هي «الديْن» ، والمسألة الثانية هي «الرهان المقبوضة» وهي مقابل الديْن. فواحد مأمون على الرهن في يده. والآخر مأمون على الديْن. ولهذا يكون القول الحكيم مقصودا به من بيده الرهن، ومن بيده الدَّيْن ومعنى ذلك أن يؤدي مَن معه الرهن أمانته، وأن يؤدي الآخر ديْنه. وحين نرتقي إلى هذا المستوى في التعامل فإن وازع الإنسان ليس في التوثيق الخارج عن ذات النفس، ولكنه التوثيق الإيماني بالنفس، ولكن أنضمن أن يوجد التوثيق الإيماني عند كل الناس؟ .
أنضمن الظروف؟ . نحن لا نضمن الظروف، فقد توجد الأمانة الإيمانية وقت التحمل والأخذ، ولا نضمن أن توجد الأمانة الإيمانية وقت الأداء فقد يأتي واحد ويقول لك: إن عندي مائة جنيه وخذها أمانة عندك.