يجد أن موسى جاء ليعالج مسألة هي قمة العقيدة، ويواجه مَنِ ادّعى الألوهية وقال: إني إله من دون الله، أما إبراهيم فقد عالج مسألة الشرك مع الله وعبادة الأصنام، فعندهم طَرَف من إيمان، بدليل أنهم إذا ضيّقنا عليهم الخناق قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى}[الزمر: ٣] .
لذلك كانت قصة موسى أَوْلَى بالتقديم هنا.
ومعنى:{واتل عَلَيْهِمْ}[الشعراء: ٦٩] أي: اقرأ، أو وضِّح، أو عبِّر، ونقول للقراءة (تلاوة) لأنه لا يُتلَى إلا المكتوب المعلوم المفهوم {عَلَيْهِمْ}[الشعراء: ٦٩] على أمة الدعوة كلها، أَمْ على المكذبين خاصة؟
قالوا: على المكذِّبين خاصة؛ لأن المصدِّقين برسول الله لا يحتاجون هذه التلاوة، وإنْ تُليَتْ عليهم فإنما التلاوة للتذكرة أو لعلم التاريخ. إذن: المراد هنا المكذِّبون المنكرون ليعلموا أن نهاية كل رسل الله في دعوتهم النصر والغلبة، وأن نهاية المكذبين المخالفين الهزيمة والاندحار.
فكأن القرآن يقول لهم: لا تغتروا بقوتكم، ولا بجاهكم، ولا تنخدعوا بسيادتكم على العرب، ومعلوم أن مكانة قريش بين العرب إنما أخذوها من خدمة بيت الله الحرام، وما أَمِنُوا في طرق تجارتهم إلاَّ بقداسة بيت الله وحُرْمته.
ولولا البيت ما كان لقريش كل هذه المكانة، بدليل قوله تعالى:{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف}[قريش: ١٢] .
ولو انهدم البيت في قصة الفيل ما كان لقريش سيادة ولا سيطرة