الأرض، ويعطيه المنهج الذي يصلحه، لكنه قد يغفل عن هذا المنهج أو تغلبه نفسه، فينحرف عنه، والإنسان بطبيعته يحمل مناعةً من الحق ضد الباطل وضد الشر، فإنْ فسدَتْ فيه هذه المناعة فعلى الآخر أن يُذكِّره ويُوقظ فيه دواعي الخير. ومن هنا كان قوله تعالى:{وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر}[العصر: ٣] .
فإنْ وجدتَ أخاك على باطل فخُذْ بيده إلى الحق.
ومعنى {وَتَوَاصَوْاْ}[العصر: ٣] أي: تبادلوا التوصية، فكل منكم عُرْضة للغفلة، وعُرْضة للانحراف عن المنهج، فإنْ غفلتُ أنا توصيني، وإنْ غفلتَ أنت أوصيك، وهذه المناعة ليست في الذات الآن، إنما في المجتمع المؤمن، فمنْ رأى فيه اعوجاجاً قوَّمه.
لكن ما الحال إنْ فسدت المناعة في الفرد وفسدَتْ في المجتمع، فصار الناس لا يعرفون معروفاً، ولا يُنكِرون منكراً، كما قال تعالى عن بني إسرائيل:
وعندها لا بد أن يرسل رب العزة سبحانه برسول جديد، ومعجزة جديدة تُوقِظ الناس، وتعيدهم إلى جادة ربهم.
ومن شرف أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن الله تعالى جعل المناعة في ذات نفوسها، فجعلهم الله توابين، إنْ فعل أحدهم الذنب تاب ورجع، وإنْ لم يرجع وتمادى رَدَّه المجتمع الإيماني وذكَّره.
وهذه الصفة ملازمة لهذه الأمة إلى قيام الساعة، كما ورد في الحديث:«الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة» .