للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمصيبة الكبرى ألا يحتاج الشر إلى افتعال؛ لأن صاحبه يصير إلى بلادة الحس الإيماني، وتكون الشرور بالنسبة إليه سهلة؛ لأنه تعود عليها كثيراً، ويقول الحق: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته} إن الخطيئة تحيط به من كل ناحية، ولم يعد هناك منفذ، وهو لا يفتعل حتى صارت له ملكة في الشر؛ فاللص مثلاً في بداية عمله يخاف ويترقب، لكن عندما تصبح اللصوصية مهنته فإنه يحمل أدوات السرقة ويصير حسه متبلداً.

ففي المرحلة الأولى من الشر يكون أهل الشر في حياء من فعل الشر، وذلك دليل على أن ضمائرهم وقلوبهم مازال فيها بعض من خير، لكن عندما يعتبرون الشر حرفة وملكة فهنا المصيبة، وتحيط بكل منهم خطيئة وتطوقه ولا تجعل له منفذاً إلى الله ليتوب.

فالذي يلعب الميسر، أو طوقته خطيئة الفحش قد يقول فرحاً: «كانت سهرة الأمس رائعة» ، أما الذي يرتكب الخطأ لأول مرة فإنه يقول: «كانت ليلة سوداء يا ليتها ما حدثت» ، ويظل يؤنب نفسه ويلومها؛ لأنه تعب وأرهق نفسه؛ لأنه ارتكب الخطأ.

إذن فقول الحق: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} يوضح لنا أن فعل الشر هو الذي يحتاج إلى مجهود، فإن انتقلت المسألة من اكتسبت إلى كسبت فهذه هي الطامة الكبرى، ويكون قد أحاطت به خطيئته. ويكون على كل نفس ما اكتسبت. والعاقل هو من يكثر ما لنفسه، ولا ما عليها؛ لأن الذي يقول ذلك هو الحق العالم المالك الذي إليه المصير، فليس من هذا الأمر فِكاك. وبعد ذلك يقول الحق على لسان عباده المؤمنين: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} ، ولقائل أن يقول: إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ طمأننا، فقال: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» .

فكيف يأتي القرآن بشيء مرفوع عن الأمة الإسلامية ليدعو به الناس ربهم ليرفعه عنهم؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>