معركة مع غيرهم يستطيعون أن يحددوا مركزهم الإيماني من غاية المعركة. فإن انتهت المعركة بنصرهم وغلبتهم علموا أنهم من جنود الله، وإن هُزموا وغُلبوا فليراجعوا أنفسهم؛ لأن الله أطلقها قضية إيمانية في كتابه الذي حفظه فقال:{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون}[الصافات: ١٧٣]
فإن لم نغلب فلننظر في نفوسنا: ما الذي أخللنا به من واجب الجندية لله. وحين يعلمنا الحق أن نقول:{فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} ، أي بعد أن أخذنا أسباب وجودنا من مادة الأرض المخلوقة لنا بالفكر المخلوق لله، نعمل فيها بالطاقة المخلوقة لله، وحينئذ نكون أهلاً للنصر من الله؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قد مد يده بأسباب النصر:{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ}[الأنفال: ٦٠]
حينئذ لا تخافون أبداً؛ لأن لله جنوداً لم تروها، ولا يتدخل الله بالجنود غير المرئية لنا إلا إذا استنفدنا نحن أسباب الله الممدودة لنا.
وحين يختم الحق سبحانه وتعالى سورة البقرة وهي الزهراء الأولى لتأتي بعدها الزهراء الثانية وهي سورة آل عمران نجد أن هذا هو الترتيب القرآني (الآن) وهو ليس على ترتيب النزول الذي حدث، فللقرآن ترتيبان: ترتيب نزولي حين نزلت الآيات لتعالج حدثاً وقع للأمة المسلمة في صراعها مع الكافرين بربهم، وفي تربيته لنفوسهم، فكانت كل آية تأتي لتعالج حادثة. والأحداث في الوجود إنما تأتي على أيدي البشر، فليس من المعقول أن تنزل آيات من القرآن. تعالج أحداثا أخرى لا صلة بينها وبين ما يجري من أحداث في المجتمع الإسلامي أو ما ينشأ في الكون من قضايا.
إذن فلابد أن توجد الأحداث أولا، ويأتي بعدها النص القرآني ليعالج هذه