وقلنا: إن اليقين درجات؛ علم اليقين، وعين اليقين، وحقُّ اليقين، فمثلاً حين أقول لك: إنني رأيتُ في أحد البلاد أصبع الموز نصف متر، وأن تثق فيَّ ولا تكذبني، فهذا علم يقين، فإنْ رأيته، فهذا عَيْن اليقين، فإن أخذته وذهبتَ تقطعه مثلاً، وتوزعه على الحاضرين فهذا حقُّ اليقين. وهذه الدرجة لا يمكن أن يتسرَّب إليها شكٌّ.
لذلك لما «سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الصحابي الحارث بن مالك الأنصاري:» كيف أصبحتَ «؟ قال: أصبحتُ بالله مؤمناً حقاً، قال» فإنّ لكل حَقِّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ «قال: عزفَتْ نفسي عن الدنيا، فاستوى عندي ذهبها ومدرها، كأنِّي أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» عرفت فالزم «.
والإمام على رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يعطينا صفة اليقين في قوله: لو كُشِف عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً؛ لأني صدقت بما قال الله، وليست عيني أصدق عندي من الله.
ومن هذا اليقين ما ذكرنا في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل}[الفيل: ١] مع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وُلِد في هذا العام، فلم يَرَ هذه الحادثة، فالمعنى: ألم تعلم، وعدل عن (تعلم) إلى (ترى) ليقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن إخبار الله لك أقوى صِدْقاً من رؤية عينيك.