في الكون ما يثبت صدق الملائكة ويؤكد صدق الله، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نقول: إن الحق أطلقها على نفسه وقال: {لا إله إِلاَّ هُوَ} ؛ وجعلها كلمة التوحيد وجعل الأمر في غاية اليسر والسهولة والبساطة؛ فلم يشأ الله أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً معقداً، أو دليلاً فلسفياً، أو لا يستطيع أحد أن يصل إليه إلا أهل الثقافة العالية، لا، إن الدين مطلب للجميع؛ من راعي الشاة إلى الفيلسوف؛ إنه مطلوب للذي يكنس في الشارع كما هو مطلوب من الأستاذ الجامعي.
فيجب أن تكون قضية الإيمان في مستوى هذه العقول جميعاً؛ فلا فلسفة في هذه المسألة، لذلك شاء الحق أن يجعل هذه المسألة في منتهى البساطة فأوضح الله: أنا شهدت ألا إله إلا أنا، فإما أن يكون الأمر صدقاً وبذلك تنتهي المشكلة، وليس من حق أحد الاعتراض، وإن لم تكون صدقاً فقولوا لنا: أين الإله الآخر الذي سمع التحدي، وأخذ الله منه ذلك الكون، وقال: أنا وحدي في الكون، وأنا الذي خلقت، ثم لم نسمع رداً عليه ولا عن معارض له، ألم يدر ذلك الإله الآخر؟
إذن فذلك الآخر لا ينفع أن يكون إلهاً، فإن علم ذلك الآخر ولم يدافع عن نفسه وملكيته للكون فإنه لا يصلح أن يكون إلهاً. وتصبح القضية لله إلى أن يظهر مدع ليناقضها، ف {لا إله إِلاَّ هُوَ} كلمة حق، وبالعقل والمنطق هو إله ولم نجدً معارضاً. وقلنا سابقاً: إن الدعوى حين تُدعى ولا يوجد معارض حين نَسمعها تكون لصاحبها إلى أن يوجد المعارض. وضربنا مثلا: نحن مجتمعون في حجرة، عشرة أشخاص، وبعد ذلك انصرفوا فوجد صاحب البيت حافظة نقود، فجاء واحد متلهفا وقال: لقد ضاعت مني حافظة نقود.
فقال له صاحب البيت: وجدنا حافظة ولكن كان هنا عشرة، فلما جئ بالعشرة، وسئلوا لم يدعها أحد، إذن فهي له.
إن الله قد قال:{لا إله إِلاَّ هُوَ} ، فإن كان هناك إله آخر فليظهر لنا، ولكن لا تظهر لنا إلا قوة الله {لا إله إِلاَّ هُوَ} ومادام لا إله إلا هو، وهذا الكون يحتاج إلى قيومية لتدبيره، فلا بد أن يكون حيا حياة تناسبه، لأنه سيهب حيوات كثيرة لكل الأجناس، للإنسان وللحيوان وللنبات وللجماد، إذن فالذي يوجدها لابد أن يكون حياً ولابد أن تكون حياته مناسبة له.