تبارك وتعالى يقول لهم: آلله خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء. . أم ما تشركون؟
وما دام أن الله تعالى ادَّعى مسألة الخَلْق لنفسه سبحانه، ولم يَقُمْ لهذه الدعوى منازع، فقد ثبتتْ له سبحانه إلى أنْ يدَّعيها غيره {أإله مَّعَ الله}[النمل: ٦٠] فإنْ كان هناك إله آخر خلق الخَلْق فأين هو: إما أنه لم يَدْر بهذه الدعوى، أو دَرَى بها وجَبُن عن المواجهة، وفي كلتا الحالتين لا يصلح إلهاً، وإلا فليأت هو الآخر بخَلْق ومعجزات أعظم مما رأينا.
فإذا قال الله تعالى أنا الله، ولا إله غيري، والخَلْق كله بسمائه وأرضه صنعتي، ولم يوجد معارض، فقد ثبتت له القضية؛ لذلك يقول سبحانه:{شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم}[آل عمران: ١٨] .
فقضية الوحداينة شهد الله أولاً بها لنفسه، ثم شهد بها الملائكة أولو العلم من الخَلْق.
ويقول سبحانه في تأكيد هذا المعنى:{قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً}[الإسراء: ٤٢] .
أي: لاجتمع هؤلاء الآلهة، وثاروا على الإله الذي أخذ منهم مُلْكهم، وادعاه لنفسه، أو لذهبوا إليه ليتقرَّبوا منه ويتودّدوا إليه.
وقوله تعالى:{وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء مَآءً}[النمل: ٦٠] السماء: كلُّ ما علاك فأظلَّك، والماء معروف أنه ينزل من السحاب وهو مما علانا، أو أن الإنزال يعني إرادة الكون، وإرادة الكون في كل كائن تكون من السماء، ألاَ ترى قوله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط}[الحديد: ٢٥] .
وقوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[الحديد: ٢٥] ومعلوم أن الحديد يأتي من الأرض، لكن إرادة كونه تأتي من السماء.